نبذة عن المنطقة القطبية الشمالية
يتبدّل مناخ المنطقة القطبية الشمالية وبيئتها على نحو حاد وفجائي بفعل تغيّر المناخ، الأمر الذي أدى إلى تصنيف أقاصي القطب الشمالي منطقةً معرّضةً لأزمة بيئية خطيرة. ومع ذلك، تُعدُّ المنطقة القطبية الشمالية منطقة اقتصادية واعدة بفضل الطرق البحرية القطبية، والموارد المعدنية وموارد الطاقة، والمنتجات السمكية وما إلى ذلك.
مقوّمٌ أساسي من مقوّمات التحكّم بمناخ الكوكب
يُعدُّ المحيط المتجمّد الشمالي مقوّمًا أساسيًا من مقوّمات التحكّم بالمناخ على كوكب الأرض. ويُقال إن “ما يحدث في المنطقة القطبية الشمالية، لا يبقى فيها” وأمست تداعيات تغيّر البيئة والمناخ التي تُرهق شمال الكرة الأرضية جليّة بالفعل في جميع بقاع الأرض تقريبًا.
الموارد الطبيعية والمعدنية
أفادت دراسة نشرها معهد الدراسات الجيولوجية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2008 بأن المنطقة القطبية الشمالية قد تحتوي على ما يناهز 13 في المائة من الموارد العالمية غير المكتشفة بعد من النفط وعلى 30 في المائة من الموارد العالمية غير المكتشفة بعد من الغاز. إن ثروات المنطقة القطبية الشمالية تجعلها منطقة استراتيجية على مستوى الطاقة، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فلا مجال للشروع في السباق على استغلال تلك الثروات لأن جزءًا كبيرًا منها موجود إمّا في باطن أراضي دول المنطقة وإمّا في مناطق بحرية خاضعة لولايتها (منطقة اقتصادية خالصة).
الطريق البحري الشمالي
أولت الحكومة الروسية الأولوية إلى تطوير الطريق البحري الشمالي. وهي تعمل على تحديث بنيتها التحتية والاستثمار فيها من أجل إتاحة استغلال ثروات أقاصي الشمال الروسي وتصديرها إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية. ويسهم الطريق البحري الشمالي في اختصار المسافة الفاصلة بين روتردام ويوكوهاما بنسبة 40 في المائة، مقارنة بالطريق التي تعبر عبر قناة السويس. لكن يجب التفكير بهذه الميزة من المنظور النسبي، لأن الاستفادة من قصر المسافة هذه تنخفض في كلّ مرة تكون فيها مرافئ الإقلاع أو الوجهة في جنوب القارتَين الأوروبية والآسيوية. ولم تقم أي شركة نقل بحري كبيرة حتى اليوم بتسيير خطوط منتظمة بين القارات على الطريق البحري الشمالي، ومن المتوقع أن يبقى ارتفاع النقل البحري بين القارات الناتج عن تقلّص الجليد الصيفي محدودًا حتى صيف عام 2030 كحدٍّ أدنى.
تنطوي شروط الملاحة في الواقع على عدّة عوائق ومخاطر، نذكر منها ما يلي:
– الظروف الشديدة القساوة، مثل الكتل الجليدية المنجرفة، والضباب، والخرائط المنقوصة.
– غياب البنى التحتية اللازمة للإنقاذ والمرافئ في المياه العميقة.
– غياب مركز للنقل الدولي.
– ارتفاع تكلفة الملاحة في المياه القطبية (السفن المجهّزة للجليد، وتدريب الطواقم، وتوفّر كاسحات الجليد المساندة، وارتفاع تكلفة التأمين).
الثروة السمكية في المنطقة القطبية الشمالية
أدّت هجرة الثروة السمكية نحو الشمال بفعل تغيّر المناخ، فضلًا عن تحسّن ظروف الملاحة إلى البحث عن إمكانية استغلال موارد بيولوجية متجددة جديدة في أعالي البحار، مثل سمك القد القطبي أو سمك موسى الأمريكي والأوروبي. وفي هذا السياق، يمثّل توقيع الدول المطلّة على المحيط المتجمّد الشمالي وهي روسيا وكندا والدانمارك التي تمثّل غرينلاند وجزر فارو، والنرويج، والولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن الصين والاتحاد الأوروبي و آيسلندا واليابان وكوريا الجنوبية اتفاقًا في تشرين الأول/أكتوبر 2018 يرمي إلى منع صيد الأسماك غير المنظّم في أعالي البحار في وسط المحيط المتجمّد الشمالي، انجازًا مهمًا لحماية المحيط المتجمّد الشمالي ونظامه الإيكولوجي الهش. ويتضمّن هذا الاتفاق تدابير للمحافظة على المحيط المتجمّد الشمالي وإدارته في إطار استراتيجية طويلة الأجل لحفظ النظم الإيكولوجية البحرية والمحافظة على الأرصدة السمكية واستغلالها على نحو مستدام.
المنطقة القطبية الشمالية حيّز للتعاون
تدعو طبيعة هذا الحيّز البحري والتحديات الكامنة فيه إلى إقامة أعلى مستويات التعاون الدولي بين الدول المعنية على نحو مباشر أو غير مباشر.
وإن الفرص والتحديات التي برزت نتيجة ذوبان جليد المنطقة القطبية الشمالية تعني في المقام الأول الدول الخمس المطلّة على المحيط المتجمّد الشمالي وهي: روسيا، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية/ألاسكا، والدانمارك/غرينلاند، والنرويج، التي تمتع بالشرعية والامتيازات التي تخولها الاستفادة من تلك الفرص ومواجهة هذه التحديات، وذلك نظرًا إلى سيادتها وولاياتها القضائية على أجزاء واسعة من المحيط المتجمّد الشمالي وإلى حقوقها السيادية على الموارد الطبيعية الموجودة فيها.
مجلس القطب الشمالي
يتكون المجلس من 8 دول اعضاء وهي: مملكة النرويج، مملكة السويد، مملكة الدنمارك، فنلندا، روسيا الاتحادية، الولايات المتحدة الامريكية، كندا، وآيسلندا، وأنشىء بموجب اتفاقية أوتاوا.
اتفاقية أوتاوا
أُنشئ مجلس المنطقة القطبية الشمالية بموجب اتفاقية أوتاوا الذي وقعته في عام 1996م الدول الإقليمية الثماني وهي كندا، والدانمرك، والولايات المتحدة الأمريكية، وفنلندا، وآيسلندا، والنرويج، وروسيا، والسويد. وهو يمثّل المحفل السياسي المرجعي للتعاون الإقليمي بشأن قضايا المنطقة القطبية الشمالية. ونصت الاتفاقية على التأكيد على:
– الالتزام برفاهية سكان القطب الشمالي، بما في ذلك الاعتراف بالعلاقة الخاصة والمساهمات الفريدة للسكان الأصليين ومجتمعاتهم في القطب الشمالي.
– الالتزام بالتنمية المستدامة في منطقة القطب الشمالي، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين الظروف الصحية والرفاهية الثقافية.
– الالتزام بحماية بيئة القطب الشمالي، بما في ذلك صحة النظم البيئية في القطب الشمالي، والصيانة أو التنوع البيولوجي في منطقة القطب الشمالي، والحفاظ على الموارد الطبيعية واستخدامها المستدام.
عضوية الشعوب الأصيلة
في الاجتماع الوزاري والذي عقد منتصف أيلول−سبتمبر 1996 بأوتاوا بين الدول الأعضاء، تقرر توسيع التعاون في القطب الشمالي ليشمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في منطقة القطب الشمالي. وتم تكريس هذا في إعلان إنشاء مجلس القطب الشمالي، المعروف أيضًا باسم إعلان أوتاوا 1996 . وشمل الاعتراف بالحقوق الخاصة للشعوب الأصلية وأهميتها لفهم مجتمعات القطب الشمالي أمرًا محوريًا في إعلان أوتاوا. لذلك، نص الإعلان على إمكانية منح منظمات الشعوب الأصلية في القطب الشمالي مركز مشارك دائم.
عضوية الدول غير المطلة
وبالإضافة الى الدول الاعضاء تتمتع 13 دولة غير واقعة على القطب الشمالي، بصفة مراقب وهي كل من: فرنسا، الهند، إيطاليا، اليابان، الصين، هولندا، بولندا، سنغافورة، إسبانيا، بريطانيا العظمى، سويسرا، كوريا الجنوبية، ألمانيا الاتحادية.
اجتماعات مجلس المنطقة القطبية الشمالية
تُعقد الاجتماعات الوزارية لمجلس المنطقة القطبية الشمالي كلّ سنتين ويشارك فيها وزراء الشؤون الخارجية لدول المنطقة. وتتيح هذه الاجتماعات تسليم رئاسة المجلس من دولة عضو إلى أخرى.
وتحدد الاجتماعات الوزارية في بياناتها الختامية التوجّهات السياسية وتوصيات الأفرقة العاملة وجدول الأعمال للسنتين المقبلتين.
واعتُمدت في هذا الإطار ثلاثة اتفاقات ملزمة قانونيًا، وهي:
– اتفاق بشأن البحث والإنقاذ في المجالَين الجوي والبحري في المنطقة القطبية الشمالية (2011م).
– اتفاق بشأن مكافحة التلوّث البحري الناتج عن المحروقات (2013م).
– اتفاق بشأن التعاون العلمي الدولي في المنطقة (2017م).
تعد المناطق الشمالية من الولايات القطبية الشمالية موطنًا لأكثر من أربعة ملايين شخص، حيث تتصدر صحتهم ورفاهتهم جدول أعمال مجلس القطب الشمالي. وفي قلب جهود التعاون التي يبذلها المجلس يكمن السلام والاستقرار في المنطقة، كذلك تمتد مجالات عمل المجلس بدءًا من حماية حقوق الشعوب الأصلية وثقافاتها، إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة لمجتمعات مكتفية ذاتيًا وحيوية وصحية، والعمل على معالجة مناخ القطب الشمالي المتغير والآثار البيئية الضارة.
المصادر:
– diplomatie.gouv.fr” official website of the French Ministry for Europe and Foreign Affairs.
– arctic-council.org.